الشيخ أحمد كتّي مسليار البانغي : أديب عانق العربية جسدا وروحا


قد شهدت ولاية كيرالا بالهند لثورات علمية واجتماعية منذ نعومة أظفارها، وازدهرت اللغة العربية وانتشرت في مناطقها بسرعة مدهشة، إن جمعية العلماء لعموم كيرالا لعبت دورا رياديا في انتشار اللغة العربية في مستوى كيرالا ببناء مدارس دينية عربية، يتعلم أهل كيرالا اللغة العربية والعلوم الإسلامية جراء جهود طويلة من قبل جماعة من علماء ماهرين ذوي قلب سليم، ومن هؤلاء العلماء الساطعين الذين بنى أساسا ثابتا للتعليم، والذين كانوا تاركي بصماتهم في الأدب العربي أيضا، الشيخ أحمد بن نور الدين الملّوي البانغي المعروف ببانغل أحمد كتّي مسليار، رجل بألف رجل، ضحّى حياته للأمة بأعمال بارزة، وبذل جهوده في التحريك الاستقلالي للهند، وشارك مشاركته الفعالة لتحمية أهل السنة والجماعة من أنياب المبتدعين، ولم ينس أن يسهم إسهامات إبداعية حيث كتب كتبا عربية وأشعارا في مجالات مختلفة، حتى كتب عنه في كتاب "تاريخ اللغة العربية وواقعها في الهند" للدكتور صهيب عالم المطبوع بمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية من المملكة السعودية العربية، وعدّ من أهم الأدباء في شبه القارة الهندية، وهذه المقالة تتحدث عن إسهاماته في اللغة العربية بلمحة إلى حياته العلمية والاجتماعية.

مولده ونشأته

ولد الشيخ أحمد بن نور الدين بن عبد الرحمان بن نور الدين بن ترين بن خاجى محمد القاري بن محمد القاري الملّوي البانغي المليباري ليلة الجمعة في سنة 1305 الهجرية الموافقة لسنة 1888 الميلادية في دار فتّنفيتيككّل من قرية بانغ التي تقع في مقاطعة مالابرم بولاية كيرالا الهندية، أبوه نور الدين كان فلاحا مشهورا في بلده، واسم أمه سيدة بنت محي الدين بن يوسف الفيودمية، وكانت أسرته أسرة نبيلة تعطي العناية للعلم والدين، وتعلم العلوم الابتدئية من والديه، حفظ القرآن الكريم قبل السابعة من عمره، وأخذ العلم من أساتيذ بارزين من مدراس مختلفة، وتعلم من علماء بلده بانغ، ثم ارتحل بكلية الباقيات الصالحات، وبعد أن تخرج بحصول سند المولوي الفاضل منها التحق بالمدرسة اللطيفية، ثم عاد إلى بلده سنة 1912م، طلب العلم كعاشق يبحث حبيبه، تعلم لغات كاللغة الماليالمية والعربية والأردوية والفارسية والتاميلية، ومن أساتيذه البارزين الشيخ الهمام محمد الفضفري والعلامة الأستاذ أحمد الكيرينكلي والشيخ الكبير عبد القادر بادشاه والشيخ الأجل محمد حسين خان الملقب بفارسي خان - رحمهم الله – ونحوه، وقام بعد التعليم بالتدريس في مساجد ومدارس في كيرالا كجامع بانغ ومدرسة معدن العلوم بمنّاركاد ومدرسة إصلاح العلوم العربية بتانور وغيرها من المدارس المشهورة.
 كان عالما عابدا خطيبا أديبا شاعرا مصنفا مجاهدا صوفيا، وهو يعد من القادات أيضا حيث لعب دورا رياديا في التحريك الاستقلالي للهند، وقام بالترأس للتحريك سنة 1921م، يعد من مؤسسي جمعية العلماء لعموم كيرالا، وقام بترأسها بعد وفاة الشيخ ملّكويا الوركلي إلى وفاته، ومن خدماته للغة العربية أنه بنى مدرسة إصلاح العلوم العربية سنة 1924م التي لا تزال تجري حتى الآن كلية تابعة لجامعة دار الهدى الإسلامية بكيرالا، وقام عميدا ومديرا لها خلال حياته، وقد قام الشيخ أحمد كتّي مسليار البانغي مديرا لمجلة معونة الإسلام التي تعمل من مدينة فناني، والمجلة التي ابتدأها أحمد كتّي مسليار كانت مشهورة في ذلك العصر، وهي مجلة البيان في اللغة العربية الماليامية، وهو أيضا عضو لجنة الكتاب المدرسي ولجنة الحج بمحافظة مدراس تحت الحكومة البريطانية، وقضى حياته الجليلة بالوعض والتصنيف والتدريس، تزوج الشيخ أحمد كتّي مسليار خديجة بنت زيد علي وأنجب منها محمد مسليار المعروف بواف ملّوي، ثم فاطمة بنت ويران كتّي مسليار وأنجبا أربعة أولاد وبنتا، ثم آمنة من الأسرة المخدومية، وأنجبا ولدين، للأسف، انتقل أكثر أولاده إلى رحمة الله من صغر سنّهم.
توفي الشيخ أحمد بن نور الدين الملّوي البانغي يوم الخامس والعشرين من ذي الحجة بسنة 1365 الهجرية الموافقة ل 1946 الميلادية بعد ترك بصمات خلفه في مجالات مختلفة، وكتب كتبا عديدة في اللغة العربية الفصحى.

أديب وشاعر

قد ألف الشيخ أحمد كتّي مسليار البانغي كتبا وقصائد وأبياتا ورسائل ومراثي عديدة، ولم يوجد منها إلا 26 تصنيفا، أظهر كفاءته في مجالات مختلفة بالكتابة كمجال الفقه الإسلامي وعلم البلاغة والمدائح النبيوية ونحوها، ومن مؤلفاته :
  •  النهج القويم، لمن يقلد في الجمعة من الشافعية القول القديم.
  •  البيان الشافي، في علمي العروض والقوافي.
  •  تلقيح المنطق، في شرح تصريح المنطق
  •  نظم علاقات المجاز المرسل.
  •  إبراز المهمل بشرح نظم علاقات المرسل
  •  تحفة أحباب تاليفرمب.
  •  إزالة الخرافات، في حضور النبي وأصحابه يوم عرفات.
  •  إزاحة العمسة، عن الأسئلة الخمسة.
  •  المنهل الروي، في مناقب السيد أحمد البدوي.
  •  مواهب الجليل في مناقب السيد محمد جمل الليل.
  •  النفحات الجلية، في مناقب الغوث السيد علوي مولى الدويلة المنفرمي.
  •  تاج الوسائل، بخير الأسامي والفواضل.
  •  الفيض المنجي، في مناقب السيد حسين الكدنجي.
  •  التحفة الربيعية، في مدح خير البرية.
  •  القصيدة القطبية، في مدح غوث البرية.
  •  الفيض المديد، في التوسل بآل عيديد.
  •  قصيدة التهاني، في زيارة الشيخ البليّاني.
  •  تنبيه الأنام، في تنزيل ذوي الأرحام.
  •  القول السديد، في أحكام التقليد.
  •  تنبيه الغفول، في أن النبي داود عليه السلام نبي ورسول.
  •  القول المتسق، في بيان الأقوال والأوجه والطرق.
  •  حاشية على مقدمة تحفة المحتاج لابن حجر.
  •  شرح قصيدة جمر مكنوني.
  •  القصيدة المسماة بالتحفة الربيعية في مدح خير البرية.
  •  مرثية على الشيخ العلامة الكبير الحاج أحمد بن محي الدين الكودنجيري ثم الترنقالي.
  •  مرثية على حاتم الدهر الغني الشهير محي الدين كتّي الكلدي المناركّاتي.

كتاب النهج القويم لمن يقلد في الجمعة من الشافعية القول القديم :

هذا كتاب مهم من كتب الشيخ أحمد كتّي مسليار البانغي، ألفه جوابا عن أسئلة بعض أحبابه عن التقليد في الجمعة من الشافعية القول القديم، ورتبه على فصلين :
  •  الفصل الأول : في بيان أحوال الناس في الجمعة.
  •  الفصل الثاني : في بيان اختلاف العلماء في العدد الذي تنعقد به الجمعة فما فوقه دون ما تحته.
قسم الناس في هذا الكتاب إلى ستة أقسام في الجمعة وبيّن الطريقة الصحيحة في تقليد الجمعة، وقصد بهذا أن يرفع شك أحبابه عن التقليد فيها، ويحميهم من الفتنة المشتعلة التي استمرت بين المسلمين في نواحي مليبار وغيرها، الأمر الفخر أن هذا الكتاب مصدور بمطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر، وهذه من تصنيفاته المهمة في اللغة العربية الفصحى.

تحفة أحباب تاليفرمب :

سافر الشيخ الملّوي يوم الإثنين التاسع والعشرين من سنة 1345 الهجرية إلى منطقة تاليفرمب من مقاطعة كنور بولاية كيرالا الهندية، مستهدفا للدخول في المسجد الجامع القديم الذي يقع فيها، وقام الشيخ فيه بالوعظ والإرشاد والخطابة في ليال بإثبات آراء أهل السنة والجماعة وتبيين آراء سادات الشافعية في الأحكام الشرعية وتحذيرهم من مواقع أهل البدعة، إذن، عرف المصنف عن تحدية يواجهها سكان تاليفرمب وفتنة مفسدة التي انتشرت بين عامة الناس،إن الجمعة كانت تقع في المسجد الجامع القديم غالبا، وبعض الناس أحدثوا جمعة ثانية جديدة في تاليفرمب قبيل سنوات في مسجد صغير، وتبعهم بعض عامة الناس، وجهدوا لتكون جمعتهم أكبر وأكثر من جمعة المسجد الجامع القديم الذي قيل عنه إنه بني قبل سبعمائة سنة، فظهرت بين الناس فتن حيث بعضهم قاموا بصلاة الجمعة ثم أعادوها ظهرا للاحتياط، وبعضهم ينتقلون إلى بلاد أخرى للمشاركة في الجمعة، وبعضهم اتبعوا ما يقول القائل بلا وقوف، فالمصنف رحمه الله ذكر في بعض مجالسه على أن الجمعة في المسجد الجامع القديم صحيحة على المعتمد.
فألف الشيخ الملّوي هذا الكتاب المسمى ب"تحفة أحباب تاليفرمب"، وفصله ستة مقدمات، يبين بها آراء العلماء في تعدد الجمعة وانعقاد جمعة ثانية في منطقة واحدة، وبذلك، هذا كتاب له في علم الفقه الإسلامي، وقام بتحمية الناس من الفتن وأنياب المبتدعين الفاسقين، بدأ الكتاب بسرد القصة التي انعقدت في تاليفرمب وحكاية ما أداه إلى تصنيف هذا الكتاب، والكتاب مطبوع.

المدائج النبوية في تصنيفات أحمد كتّي مسليار البانغي :

شمل أحمد كتّي مسليار البانغي واهتم لمدح خير البرية محمد صلى الله علي وسلم، وقد وجد كثير من مؤلفاته عن النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزاته، ومن أهم المدائح النبوية له :
  •  التحفة الربيعية في مدح خير البرية وتواريخ معجزاته البهية العالية على جميع خلقه الجلية : هذه رسالة قصيرة تتضمن على 23 صفحة، وغير مطبوعة، وجدت نسختها الأصلية المخطوطة من منزل الملوي ببانك في ذمة الشيخ عبد الرحمان القاسمي، يشتمل على مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعجزاته وأسمائه.

 أشعار أحمد كتّي مسليار البانغي :

قد قرض الشيخ أشعارا ومناقب وقصائد عديدة في مختلف المواضيع، ومنها :
  •  قصيدة التهاني لمن يزور ضريح الشيخ الولي االبليّاني رحمه الله : عثرت هذه القصيدة غير مطبوعة، ألفها سنة 1346 الهجرية الموافقة ل 1927 الميلادية بحسب التاريخ الموجود في آخر كتابه، وهي تشتمل على 104بيت، بين فيها عن زيارته ضريح الشيخ الولي البلياني رحمه الله المدفون بمقام بليّان الواقع بتالفرمبا من مقاطعة كنور، لم يحك فيها اسمه ونسبه، ولكن بين ما رآه من مناقبه ومشاهده حين زار مقبره الشريف.
  •  مولد المنهل الروي في مناقب القطب السيد أحمد البدوي قدس الله سره العزيز : اكتشف هذا الكتاب من مكتبة التراث بجامعة كالكوت نسخة رقمية، تشتمل على 20 صفحة مطبوعة، كما يظهر من اسم الكتاب يحتوي على مناقب القطب السيد أحمد البدوي نظما ونثرا ببيان كرامته خلال حياته وبعد مماته.
  •  مولد مواهب الجليل في مناقب القطب السيد محمد جمل الليل نزيل كدلندي من ديار مليبار : تم طبع هذا الكتاب من قبل مطبعة مصباح الهدى بترنقال في 26 سنة 1352 الهجرية الموافقة ل 26 يناير سنة 1934 الميلادية، يشتمل على 24 صفحة بمناقب القطب السيد محمد جمل الليل نزيل كدلندي مع بيان كراماته وأبنائه، وأصبح الكتاب مصدرا ومرجعا للبحث عن الشيخ كدليندي.
  •  مولد الفيض المنجي في مناقب الولي السيد حسين الجفري الكدنجي : أصدرت هذا الكتاب مكتبة التراث بجامعة كلكوت، والكتاب يحتوي كما في عنوانه على مناقب الشيخ للسيد حسين الجفري نزيل كدنجي من بلاد ترنقال، وقد بين المصنف عن السبب الذي أداه إلى تأليف الكتاب.
  •  مولد النفحات الجليلة في مناقب القطب الغوث السيد علوي محمد مولى الدويلة : يحتوي هذا الكتاب على 72 صفحة مطبوعة، وجدت نسخته الأولى من المكتبة على اسم الملّوي بكلية إصلاح العلوم العربية، ونسخته الرقمية من مكتبة التراث بجامعة كالكوت، والكتاب يتحدث عن مناقب الشيخ القطب الغوث السيد علوي محمد مولى الدويلة، والمصنف رحمه الله بين السبب الذي أداه إلى تصنيف الكتاب.

تصنيفاته في مجالات مختلفة :

شمل الشيخ في كتابته علوما مختلفة كعلم البلاغة وعلمي العروض والقوافي ونحوه، ومن أهم تصانيفه في علوم مختلفة :
  •  كتاب إبراز المهمل بشرح نظم علاقات المجاز المرسل : هذا كتاب في علم البلاغة، وغير مطبوع، كتب شرحا لكتاب نظم علاقات مرسل، وألحق فيه تعليقاته، وهذا يشتمل على أبيات، وجدت نسختها الأصلية من بيته ببانك.

الخاتمة :

ننتج مما سبق، إن الشيخ أحمد كتّي مسليار البانغي كان من العلماء والأدباء والشعراء من الهند الذين عاشوا خلال القرن العشرين، ترك بصماته في مجالات عدة كالتعليم والتدريس والخطبة والكتابة والتصنيف وقرض الأشعار والأبيات، وهو يعدّ من الذين بذلوا قصارى جهودهم لترويج جمعية العلماء لعموم كيرالا، وانشار اللغة العربية وآدابها في ولاية كيرالا الهندية، عدّه الكاتب صهيب عالم في كتابه "تاريخ اللغة العربية وواقعها في الهند" من أهم الأدباء والباحثين في ولاية كيرالا والذين ألفوا مؤلفات عديدة في اللغة العربية، ويعد كتاب "النهج القويم" أهم كتبه، وله إسهامات في الفقه والشعر والقصائد وعلم البلاغة وعلمي العروض والقوافي وغيره، وهذه الورقة تحدثت عن مؤلفاته ومناهج ومضمونات كتبه.

المصادر والمراجع :

  •  مجموعة الرسائل الملّوية، أبو هانئ عبد الباسط الهدوي، جمعية الطلاب الإصلاحية.
  •  النهج القويم لمن يقلد في الجمعة من الشافعية القول القديم، أحمد بن نور الدين الملوي البانغي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر.
  •  تاريخ اللغة العربية وواقعها في الهند، د.صهيب عالم، مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية بالمملكة العربية السعودية.
  •  رسالة تحفة أحباب تاليفرمب، أحمد بن نور الدين الملّوي البانغي، كلية إصلاح العلوم العربية.



بقلم : محمد نذير  
 باحث  في مجمع دار الفلاح الإسلامي ، تالفرمبا، كيرالا ، الهند

Post a Comment

1 Comments