الجوع

  

مدينة عظيمة مملوءة بأبنية ودكاكين ، وليس هناك إلا غبار ودخان ، الشوارع مزدحمة بالمراكب وعامة الناس  ، والتجار والصناع مشتغلون في أعمالهم  .

       كانت هناك أسرة في إحدى البيوت المزخرفة ، أسرة غنية تعيش مع المحبة والألفة والتقارب ، من أعضاء هذه الأسرة ولد اسمه ناجح وهو يتعلم في المدرسة الابتدائية ، يحبه أقرباءه كثيرا جدا ، يعطونه كل ما يحبه .

             ذات يوم ، رحلوا رحلة للنزهة ، ونزهوا كل النزهة ولعبوا كل اللعبة ، غسلوا أوساخ الأحزان والآلام بمياه النزهة والسرور والفرح ، بعد النزهة واللعبة من أحد المنازه ، بينما هم يأكلون الطعام ، إذ جاء رجل فقير ، قد اشتعل رأسه ولحيته شيبا ، واسود وجهه بحرارة الشمس ، وليس في جسده إلا العظم وهو يتسول للطعام ، الناس يذودونه كما نذود الذباب ، لما رآه ناجح خاف برؤية صورته السوداء ولحق إلى جانب جده ، فقال له جده : لماذا تخاف يا بني ؟ إنه فقير شحاذ لا يأتيك بسوء ، وأعطى الجد الطعام للشحاذ وأطعمه ، وأكله مع شوق بالغ بسرعة كما يأكل الجائع ، ثم ذهب الفقير بعد الشبع ، دخلت الأسرة مع السرور في سيارتهم ، فبدأ الجد أن يقص قصة لهم فقال : 

       لما كنت شغالا في أحد الفنادق بالخليج ، إذن جاء إلى الفندق رجل كهذا الفقير الجائع ، وأكل طعاما كثيرا ، فخرج من الفندق مهلا بلا دفع مال الطعام ، فرأيته وقلت لصاحب الفندق : أنظر إليه !.. وهو يذهب ولم يدفع شيئا ، ونظر صاحب الفندق إليه ، وفهم أنه فقير جائع ، ثم قال : الجوع عبارة عن الشهوة التي لن يعرفها إلا لمن شعر بها وتحملها ، ولا يقابل الطعام إلا الطعام ، وأقرض قول العادل المنقطع النظير وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قاله حين اشتد الجوع والقحط في بلده وسرق بعض الناس طعام البعض : "كيف أقطع يدا امتدت لرغيف خبز يمنع صاحبه من الهلاك" ، إن هذا الرجل فقير جائع ، وليس لي حق لتعذيبه ، وأضاف أبو ناجح قائلا : هل سمعتم حالة القتل في ولايتنا كيرالا ، رجل فقير اسمه مدو سرق الطعام لشدة جوعه ، وبذلك ، ضربه الناس وقتلوه بلا رحمة ، يا للأسف كل الأسف ، إن هذه الحادثة ما كانت بعيدة عنا ...إنها بولايتنا كيرالا .


بقلم : محمد نذير  | باحث في مجمع دار الفلاح الإسلامي

Post a Comment

0 Comments